فصل: فصل: (الحال الثالث في جواز رجوع الزوج على زوجته بالمهر)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


كتاب‏:‏ الصداق

يستحب أن يعقد النكاح بصداق لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتزوج ويزوج بناته بصداق وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت‏:‏ إني وهبت نفسي لك فقال رجل‏:‏ يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال‏:‏ ‏[‏هل عندك من شيء تصدقها إياه‏]‏‏؟‏ فقال‏:‏ ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا آخر‏]‏ فقال‏:‏ لا أجد فقال‏:‏ ‏[‏التمس ولو خاتما من حديد‏]‏ فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏هل معك شيء من القرآن‏؟‏‏]‏ قال‏:‏ نعم سورة كذا وسورة كذا لسورة يسميها فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏زوجتكها بما معك من القرآن‏]‏ متفق عليه ولأنه أقطع للنزاع فيه‏.‏

ويجوز من غير صداق لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن‏}‏ فأثبت الطلاق مع عدم الفرض ولأن القصد بالنكاح الوصلة والاستمتاع وهو حاصل بغير صداق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كثير الصداق وقليله‏]‏

ويجوز أن يكون الصداق قليلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏التمس ولو خاتما من حديد‏]‏ ولأنه بدل منفعتها فكان تقديره إليها كأجرتها ويجوز أن يكون كثيرا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا‏}‏ ولا تستحب الزيادة على خمسمائة درهم لأنه صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته بدليل ما روى أبو سلمة قال‏:‏ سألت عائشة عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ ثنتا عشر أوقية ونش فقلت‏:‏ وما نش‏؟‏ قالت‏:‏ نصف أوقية رواه مسلم وأبو داود ولأنه إذا كثر أجحف ودعا إلى المقت ويستحب تخفيفه لما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة‏]‏ رواه أحمد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يجوز أن يكون صداقا‏]‏

وكل ما جاز ثمنا في بيع أو عوضا في إجارة من دين وعين وحال مؤجل ومنفعة معلومة من حر أو عبد كرد عبدها من مكان معين وخدمتها في شيء معلوم جاز أن يكون صداقا لأن الله تعالى أخبر عن شعيب أنه قال‏:‏ ‏{‏إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج‏}‏ فجعل الرعي صداقا ولأنه عقد على المنفعة فجاز ما ذكرنا كالإجارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما لا يجوز أن يكون صداقا‏]‏

وما لا يجوز أن يكون ثمنا ولا أجرة لا يجوز أن يكون صداقا كالخمر وتعليم التوراة والإنجيل وتعليم الذمية القرآن والمعدوم وما لم يتم ملكه عليه كالمبيع المعتبر قبضه قبل قبضه وما لا يقدر على تسليمه كالآبق والطير في الهواء لأنه عوض في عقد فأشبه عوض البيع والإجارة ولا يصح أن يكون مجهولا كعبد وثوب هذا اختيار أبي بكر وقال القاضي‏:‏ يصح في مجهول جهالة لا تزيد على مهر المثل كعبد أو فرس أو بعير أو ثوب هروي أو قفيز حنطة أو قنطار زيت لأنه لو تزوجها على مهر مثلها صح مع كثرة الجهل فهذا أولى فإن زادت جهالته على جهالة مهر المثل كثوب ودابة وحكم إنسان ورد عبدها أين كان وخدمتها فيما أرادت لم يصح وقال أبو الخطاب‏:‏ إن تزوجها على عبد من عبيده صح ولها أحدهم بالقرعة نص عليه أحمد وعلى هذا يخرج إذا أصدقها قميصا من قمصانه أو عمامة من عمائمه أو دابة من دوابه لأن الجهالة تقل فيه ولا تصح على عبد مطلق لأن الجهالة تكثير ولنا أنه عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كثمن البيع وتأويل أبو بكر نص أحمد على أنه عين عبدا فأشكل عليه فإن أصدقها ما لا يجوز أن يكون صداقا لم يبطل النكاح ونقل المروذي عن أحمد‏:‏ إذا تزوج على مال بعينه غير طيب أنه كرهه وأعجبه استقبال النكاح وهذا يدل على أن النكاح لا يصح اختاره أبو بكر لأنه عقد معاوضة ففسد بفساد العوض كالبيع والأول أولى لأن فساده ليس بأكثر من عدمه وعدمه لا يفسد العقد ويجب لها مهر المثل لأنها لم ترض إلا ببدله ولم يسلم البدل وتعذر رد العوض فوجب رد بدله كما لو باعه سلعة بخمر فتلفت عند المشتري وعلى قول القاضي‏:‏ إذا أصدقها مجهولا وجب لها الوسط ووسط العبيد السندي فيجب ذلك لها وإن جاءها بقيمته لزم قبوله قياسا على الإبل في الدية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أصدقها عبدا فخرج حرا‏]‏

فإن أصدقها عبدا فخرج حرا أو مستحقا فله قيمته لأن العقد وقع على التسمية لأنها رضيت بقيمته إذ ظنته مملوكا وقد تعذر تسليمه فكانت لها قيمته كما لو وجدته معيبا فردته وإن أصدقها مثليا فخرج مستحقا فلها مثله لأنه أقرب إليه ولذلك يضمن به في الإتلاف وإن أصدقها عصيرا فخرج خمرا فذكر القاضي‏:‏ أن لها قيمته لأن الخمر ليس من ذوات الأمثال ويحتمل أن يلزمه مثل العصير المسمى لأنه مثلي فوجب إبداله بمثله كما لو أتلف ويفارق هذا ما إذا قال‏:‏ أصدقتك هذا الخمر أو هذا الحر لأنها رضيت بما لا قيمة له فأشبهت المفوضة ولم ترض هاهنا بذلك وإن قال‏:‏ أصدقتك هذا الخمر أشار إلى الخل أو هذا الحر وأشار إلى عبده صح ولها المشار إليه لأنه محل يصح العقد عليه فلم يختلف حكمه باختلاف تسميته كما لو قال‏:‏ أصدقتك هذا الأبيض وأشار إلى الأسود وإن تزوجها على شيء فخرج معيبا فهي مخيرة بين أخذ أرشه وبين رده وأخذ قيمته أو مثله إن كان مثليا لما ذكرنا في أول الفصل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن تزوج الكافرُ كافرةً على صداق محرم ثم أسلما أو تحاكما إلينا قبل الإسلام والقبض‏]‏

وإن تزوج الكافر كافرة بمحرم ثم أسلما أو تحاكما إلينا قبل الإسلام والقبض سقط المسمى ووجب مهر المثل لأنه لا يمكن إجباره على تسليم المحرم وإن كان بعد القبض برئت ذمته كما لو تبايعا بيعا فاسدا وتقابضا وإن قبضت البعض برئت ذمته من المقبوض ووجب بقسط ما بقي من مهر المثل فإن كان الصداق خنزيرين أو زقي خمر أو زق خمر وخنزيرا وقبضت أحدهما ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يعتبر العدد لأنه لا قيمة له فكان الجميع واحدا فيقسط على عدده فيسقط نصف الصداق ويجب نصف مهر الثمل‏.‏

والثاني‏:‏ يعتبر بقيمته عندهم أو بالكيل إن كان مكيلا لأنه أخصر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن تزوج المرأة على أن يشتري لها عبدا بعينه‏]‏

وإن تزوج المرأة على أن يشتري لها عبدا بعينه صح لأنه أصدقها تحصيل عبد معين فصح كما لو أصدقها رد عبدها من مكان معين فإن لم يبع أو طلب به أكثر من قيمته فلها قيمته لأنه تعذر تسليم المسمى فوجبت قيمته كما لو تلف وإن تزوجها على أن يعتق أباها صح كذلك ومتى تعذر إعتاقه وجبت قيمته لما ذكرناه وفي المسألتين إذا أمكن الوفاء بما شرطه فبذل قيمته لم يلزمها قبوله لأن الحق ثبت لها في معين فلم يلزم قبول عوضه مع إمكانه كما لو قال‏:‏ أ صدقتك هذا العبد وإن تزوجها على عبد موصوف في الذمة صح لأنه يصلح أن يكون عوضا في البيع ولا يلزمه قبول قيمته لأنها استحقت عبدا بعقد معاوضة فلم يلزمها قبول قيمته كالمبيع وعند القاضي‏:‏ يلزمها قبولها قياسا على الإبل في الدية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن تزوجها على طلاق زوجته الأخرى‏]‏

وإن تزوجها على طلاق زوجته الأخرى لم يصح الصداق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها أو إنائها ولتنكح فإنما رزقها على الله‏]‏ رواه البخاري ومسلم‏.‏

وعنه‏:‏ يصح لأن لها فيه غرضا صحيحا أشبه عتق أبيها فإن فات طلاقها بموتها فقال أبو الخطاب‏:‏ قياس المذهب أن لها مهر الميتة لأن عوض طلاقها مهرها فأشبه قيمة العبد ويحتمل أن يجب مهر المثل لأن الطلاق لا قيمة له ولا مثل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا‏]‏

وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا فالتسمية فاسدة لأنه في معنى بيعتين في بيعة وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة وعلى ألفين إن كان له زوجة فقال أحمد‏:‏ تصح التسمية قال أبو بكر والقاضي‏:‏ في المسألتين جميعا روايتان جعلا نصه في إحدى المسألتين رواية في الأخرى لتماثلهما‏.‏

إحداهما‏:‏ فساد التسمية اختاره أبو بكر لأنه لم يعين العوض ففسد كبيعتين في بيعة‏.‏

والثانية‏:‏ يصح لأن الألف معلومة وإنما جعلت الثانية وهي معلقة على شرط فإن وجد كانت زيادة في الصداق والزيادة فيه صحيحة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أصدقها تعليم شيء مباح كصناعة ونحو ذلك‏]‏

فإن أصدقها تعليم شيء مباح كصناعة أو كتابة أو فقه أو حديث أو لغة أو شعر لها أو لغلامها صح ولأنه أحد عوضي الإجارة فجاز صدقا كالأثمان فإن أصدقها تعليم شيء لا يحسنه نظرت فإن قال‏:‏ أحصل لك تعليمه صح لأنها منفعة في ذمته لا تختص به فأشبه ما لو أصدقها دينارا لا يقدر عليه وإن قال على أن أعلمك فذكر القاضي في الجامع أنه لا يصح لأنه تعين بفعله وهو عاجز عنه وقال في المجرد يحتمل أن يصح لأنه يقع في ذمته فصح لما ذكرنا فإن تعلمتها من غيره أو تعذر عليه تعليمها فعليه أجرة تعليمها وإن أتته بغيرها ليعلمها مكانها لم يلزمه ذلك لأنهما يختلفان في سرعة التعليم وإبطائه ويحتمل أن يلزمه إذا أتته بمن يجري مجراها كمن اكترى شيئا جاز أن يوليه لمن يقوم مقامه وإن طلقها بعد الدخول قبل تعليمها ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يعلمها من وراء حجاب كما يسمع الحديث من الأجنبية‏.‏

والثاني‏:‏ عليه أجرة التعليم لأنها صارت أجنبية فلا تؤمن الفتنة عليهما في تعليمها أما الحديث فإن الحاجة داعية إلى سماعه لأنه لا بدل له وإن كان قبل الدخول ففي تعليمه النصف الوجهان فإن طلقها بعد تعليمها رجع عليها بنصف أجرة التعليم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أصدقها تعليم القرآن أو شيء منه‏]‏

فإن أصدقها تعليم القرآن أو شيء منه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏زوجتكها بما معك من القرآن‏]‏‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجوز لأن تعليم القرآن لا يقع إلا قربة لصاحبه فلم يكن صداقا كتعليم الإيمان وقد روى النجاد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا على سورة من القرآن ثم قال‏:‏ ‏[‏لا تكون لأحد بعدك مهرا‏]‏ فإن قلنا بجوازه فأصدقها تعليم بعض القرآن فمن شرطه تعيين ذلك البعض لأن التعليم والمقاصد تختلف باختلافه وذكر أبو الخطاب وابن عقيل أنه إن كان في البلد قراءات افتقر إلى تعيين أحدها لأن حروف القرآن تختلف فأشبه تعيين الآيات والصحيح أنه لا يفتقر إليه لأنه اختلاف يسير وكل حرف ينوب مناب صاحبه فأشبه ما لو أصدقها قفيزا من صبره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعجيل الصداق وتأجيله‏]‏

ويصح أن يكون الصداق معجلا ومؤجلا فإن أطلق ذكره كان حالا لأنه عوض في عقد معاوضة أشبه الثمن فإن شرطه مؤجلا إلى مدة معلومة فهي إلى أجله وإن لم يذكر أجله فقال أبو الخطاب‏:‏ لا يصح ولها مهر المثل قياسا على الثمن في المبيع وقال القاضي‏:‏ يصح وهو ظاهر كلام أحمد لأنه قال‏:‏ إذا تزوج على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة لأن الصداق يجوز أن يكون مجهولا فيما إذا تزوجها على مهر المثل فالتأجيل التابع له أولى فعلى هذا محل الآجل الفرقة بموت أو غيره لأن المطلق يحمل على العرف والعادة في الآجل تركه إلى الفرقة فحمل عند الإطلاق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا تزوجها على صداقين سر وعلانية‏]‏

وإذا تزوجها على صداقين سر وعلانية فقال الخرقي‏:‏ يؤخذ بالعلانية لأن الزائد على صداق السر زيادة زادها في الصداق وإلحاق الزيادة بالصداق جائزة وقال القاضي‏:‏ الواجب مهر العقد الذي انعقد به النكاح سرا كان أو علانية لأنه الذي انعقد به النكاح فكان الواجب المسمى فيه كما لو انفرد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم إلحاق الزيادة بالصداق‏]‏

وإلحاق الزيادة بالصداق جائز فإن زادها في صداقها شيئا بعد انبرام العقد جاز وكان الجميع صداقا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة‏}‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تزوج أكثر من واحدة بصداق واحد‏]‏

وإذا تزوج أربعا بصداق واحد صح لأن جملة صداقهن معلومة فصح كما لو اشترى أربعة أعبد بثمن واحد ويقسم بينهن على قدر مهورهن كما يتقسط ثمن الأعبد على قيمتهم وقال أبو بكر‏:‏ يخرج فيه وجه آخر أنه يقسم بينهن على عددهن لأنه أضيف إليهن إضافة واحدة فأشبه ما لو أقر لهن وهذا القول فيما إذا خالعهن بعوض واحد أو كاتب أعبده بعوض واحد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى تملك المرأة المهر المسمى‏؟‏‏]‏

وتملك المرأة المسمى بالعقد إذا كان صحيحا ومهر المثل في الموضع الذي يجب فيه لأنه عقد يملك فيه المعوض بالعقد فملك العوض به كالبيع وعنه رواية أخرى تدل على أنها لا تملك إلا نصفه لأنه لو طلقها لم يجب إلا نصفه والمذهب الأول فعلى هذا نماؤه وزيادته لها وزكاته عليها ونقصانه بعد قبضها إياه عليها وإن نقص قبل القبض لمنعه إياه من قبض فهو من ضمانه وإن لم يمنعها فنقص المكيل والموزون عليه لأنه يعتبر قبضه وما عداه يخرج فيه وجهان بناء على الروايتين في المبيع قبل القبض سواء لأنه منتقل بعقد ينقل الملك فأشبه المبيع‏.‏

والثاني‏:‏ لها التصرف فيه لأنه منتقل بسبب لا ينفسخ بهلاكه قبل قبضه فجاز التصرف فيه قبل قبضه كالوصية والميراث وقد نص أحمد على جواز هبة المرأة زوجها صداقها قبل قبضه وهو تصرف‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏لمن يدفع الصداق‏]‏

ويدفع صداق المرأة إليها إن كانت رشيدة وإلى من يلي مالها إن كانت غير رشيدة لأنه مال لها فأشبه ثمن مبيعها وفي البكر البالغة العاقلة وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يدفع إلا إليها كذلك‏.‏

والثاني‏:‏ يجوز دفعه إلى أبيها لأنه العادة ولأنه يملك إجبارها على النكاح فأشبهت الصغيرة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم منع المرأة نفسها حتى تقبض صداقها المعجل‏]‏

ولها منع نفسها حتى تقبض صداقها المعجل لأن في إجبارها على تسليم نفسها أولا خطر إتلاف البضع والامتناع عن بذل الصداق فلا يمكن الرجوع فيه بخلاف المبيع ولها النفقة إذا امتنعت لأنه امتناع بحق فأشبه ما لو امتنعت للإحرام بحجة الإسلام وإن سلمت نفسها ثم أرادت المنع فقد توقف أحمد عن الجواب وذهب أبو عبد الله بن بطة وأبو إسحق بن شاقلا‏:‏ إلى أنه ليس لها ذلك لأنها سلمت تسليما استقر به العوض برضى المسلم فلم يكن لها المنع كما لو سلمت المبيع وذهب ابن حامد‏:‏ إلى أن لها ذلك لأنه تسليم بحكم عقد النكاح فملكت المنع منه قبل قبض صداقها كالأول فأما إن أكرهها فوطئها لم يسقط حقها من الامتناع لأنه بغير رضاها وإن قبضت صداقها فوجدته معيبا فردت فلها منع نفسها حتى يبذله لأن صداقها جيد وإن لم تعلم عيبه حتى سلمت نفسها ثم أرادت الامتناع ففيه وجهان بناء على ما تقدم وإن كان صداقها مؤجلا فليس لها منع نفسها قبل قبضه لأن رضاها بالتأجيل رضى منها بتسليم نفسها قبله كالثمن المؤجل وإن حل المؤجل قبل تسليم نفسها لم يكن لها منع نفسها أيضا لأنه قد وجب عليها تسليم نفسها واستقر فلم يسقط بحلوله‏.‏

باب‏:‏ ما يستقر به الصداق وما لا يستقر وحكم التراجع

يستقر الصداق بثلاثة أمور‏:‏

أحدها‏:‏ الخلوة بعد العقد لما روى الإمام أحمد بإسناده عن زرارة بن أوفى قال‏:‏ قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة وهذه قضايا اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعا ولأنها سلمت نفسها التسليم الواجب عليها فاستقر صداقها كما لو وطئها فإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها أو الزوج صغيرا أو أعمى لا يعلم دخوله عليها لم يكمل صداقها لأنه لم يحصل التمكين وكذلك إن نشزت عليه فمنعته وطأها لم يكمل صداقها لذلك ذكره ابن حامد وإن كان بهما عذر والصيام واجب والمرض أو بأحدهما كالحيض والنفاس والرتق والجب والعنة ففيه ثلاث روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ يستقر بالصداق لعموم ما ذكرنا ولأن التسليم المستحق قد وجد والمنع من غير جهتها فلم يؤثر في المهر كما لم يؤثر في إسقاط النفقة‏.‏

والثانية‏:‏ لا يستقر لأنه لا يتمكن من تسليمها فلم يستقر مهرها كما لو منعت نفسها‏.‏

والثالثة‏:‏ إن كان المانع هو صوم رمضان لم يكمل الصداق وفي معناه ما يحرم دواعي الوطء كالإحرام وما لا يمنع دواعي الوطء كسائر الموانع لا يمنع استقرار الصداق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الثاني مما يستقر به الصداق‏]‏

والثاني‏:‏ الوطء يستقر به الصداق وإن كان من غير خلوة لأنه قد وجد استيفاء المقصود فاستقر العوض كما لو اشترى طعاما فأكله وإن استمتع بغير الوطء كقبلة أو مباشرة في الفرج أو نال منها ما لا يحل لغيره كالنظر إليها عريانة فقال أحمد‏:‏ يكمل الصداق به لأنه نوع استمتاع أشبه الوطء وقال القاضي‏:‏ هذا على الرواية التي يثبت بها تحريم المصاهرة ولا يكمل به الصداق على الرواية الأخرى لأنه لا يحرم المصاهرة فلم يقرر الصداق كرؤية الوجه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الثالث مما يستقر به الصداق‏]‏

الثالث‏:‏ موت أحد الزوجين قبل الدخول يقرر الصداق سواء مات حتف أنفه أو قتل نفسه أو قتل غيره لما روى معقل بن سنان أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق وكان زوجها مات ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا فجعل لها مهر نسائهم ولا وكس ولا شطط رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي ولأنه عقد عمر فبموت أحدهما ينتهي به فيستقر به العوض كانتهاء الإجارة‏.‏

ومتى استقر الصداق لم يسقط منه شيء بانفساخ النكاح ولا بغيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الفرقة قبل استقرار الصداق‏]‏

وإن افترقا قبل استقراره لم يخل من أربعة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ أن يكون بسبب من المرأة كردتها وإسلامها وإرضاعها من ينفسخ النكاح بإرضاعه وفسخها لعيب الزوج أو إعساره فيسقط مهرها لأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط العوض كما لو أتلف المبيع قبل تسليمه وفي معناه فسخ الزوج لعيبها لما مضى في موضعه‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون بسبب من الزوج كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته واستمتاعه بأم زوجته أو بنتها فيسقط نصف المسمى ويجب نصفه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم‏}‏ وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج لأنه في معناه وعن أحمد‏:‏ أنه إذا أسلم لا مهر عليه لأنه فعل الواجب عليه وحصلت الفرقة بامتناعها من موافقته على الواجب فكان من جهتها والأول المذهب لأن فسخ النكاح لاختلاف الدين وذلك حاصل بإسلامه وإنما ينصف المهر بالخلع لأن المغلب فيه جانب الزوج بدليل أنه يصح به دونها وهو خلعه مع أجنبي فصار كالمنفرد به‏.‏

الثالث‏:‏ افترقا بسبب من أجنبي كرضاع أو غيره فيجب نصف المهر لأنه لا جناية منها تسقط مهرها ويرجع الزوج بما لزمه على الفاعل لأنه قرره عليه‏.‏

الرابع‏:‏ افترقا بسبب منهما كشرائها لزوجها ولعانهما ففيه روايتان وإن اشتراها زوجها ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يسقط الصداق لأنها شاركت في الفسخ فسقط مهرها كالفسخ بعيب‏.‏

والثاني‏:‏ يتنصف لأن للزوج فيه اختيارا أشبه الخلع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى يحق للزوج الرجوع على زوجته بالمهر‏؟‏‏]‏

ومتى سقط المهر أو نصفه بعد تسليمه إليها فله الرجوع عليها ولا يخلو إما أن يكون تالفا أو غير تالف فإن كان تالفا رجع مثله إن كان مثليا أو بقيمته إن لم يكن مثليا أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض أو التمكين منه لأنه إن زاد بعد العقد فالزيادة لها وإن نقص فالنقص عليه فلم يرجع بما هو عليه وإن كان باقيا لم يخل من خمسة أحوال‏:‏

أحدها‏:‏ أن يكون باقيا بحاله لم يتغير ولم يتعلق به حق غيرها فإن الزوج يرجع فيه ويدخل في ملكه حكما وإن لم يجز ذلك كالميراث في قياس المذهب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم‏}‏ فعلق تنصيفه بالطلاق وحده فيجب أن يتنصف به ويحتمل أنه لا يملكه إلا باختياره لأن الإنسان لا يملك شيئا بغير اختياره إلا بالميراث فعلى هذا الوجه إن زاد بعد الطلاق وقبل الاختيار فهو للزوجة لأن ملكها لم يزل عنه فنماؤه لها وعلى الأول نماء نصيب الزوج له لأنه نماء ملكه فإذا قال‏:‏ قد رجعت فيه أو اخترته ثبت الملك فيه على الوجهين وإن نقص في يدها بعد ثبوت ملكه عليه وكانت قد منعته منه فعليها ضمان نقصه لأن يدها عادية فتضم كالغاصبة وإن لم تمنعه ففيه وجهان أصلهما الزوج إذا تلف الصداق المعين في يده قبل مطالبتها به قال الزوج‏:‏ نقص قبل الطلاق فهو من ضمانك فأنكرته فالقول قولها لأن الأصل السلامة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحال الثاني في جواز رجوع الزوج على زوجته بالمهر‏]‏

الحال الثاني‏:‏ أن تجده ناقصا كعبد مرض أو نسي صناعته أو كبر كبرا ينقص قيمته فالزوج بالخيار بين أخذه ناقصا لأنه يرضى بدون حقه وبين تركه ومطالبتها بقيمته أو نصفها يوم وقع العقد عليه لأن النقص حدث في ملكها فكان من ضمانها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحال الثالث في جواز رجوع الزوج على زوجته بالمهر‏]‏

الحال الثالث‏:‏ أن تجده زائدا فلا تخلو إما أن تكون الزيادة منفصلة كالولد والثمرة واللبن والكسب ونحو ذلك فله نصف الأصل والزيادة لها لأنها زيادة متميزة حادثة من ملكها فلم تتبع الأصل في الرد كما في الرد بالعيب وأما أن تكون متصلة كالسمن والكبر والحمل في البطن والثمرة على الشجرة وتعلم صناعة أو كتابة ونحو ذلك فالمرأة مخيرة بين دفع النصف زائدا فيلزمه قبوله لأنه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز وبين دفع قيمة حقه يوم وقع العقد عليه لأن حقه في نصف الفرض والزائد ليس بمفروض فوجب أخذ البدل إلا أن يكون محجورا عليها لسفه أو فلس أو صغر فليس له إلا نصف القيمة لأن الزيادة لها وليس لها التبرع بما لا يجب عليها وإن كانت مفسلة كان غريما بالقيمة وإن بذلت له أخذ نصف الشجر دون الثمر لم يلزمه لأن عليه ضررا في بقاء الثمر عليها فلم يلزمه وإن قال الزوج‏:‏ أنا أرجع في نصف الشجر وأترك الثمر عليه أو أترك الرجوع حتى تجذي ثمرتك ثم أرجع ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا تجبر على قبوله لأن الحق انتقل من العين فلم يعد إليها إلا بتراضيهما‏.‏

والثانية‏:‏ تجبر عليه لأنه لا ضرر عليها فلزمها كما لو وجدها ناقصة فرضي بها وإن أصدقها أرضا فزرعتها فحكمها حكم الشجر إذا أثمر سواء في قول القاضي وقال غيره‏:‏ يفارق الزرع الثمرة في أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع لم يلزمه قبوله لأن الزرع ينقص الأرض ويضعفها ولأنه ملكها أودعته في الأرض بخلاف الثمرة وإن أصدقها أرضا فبنتها أو ثوبا فصبغته فحكمها حكم الأرض المزروعة فإن بذل الزوج لها نصف قيمة البناء والصبغ لتملكه فقال الخرقي‏:‏ يلزمها قبوله ويصير له نصف الجميع لأن الأرض له وفيها بناء لغيره بني بحق فكان له تملكه بالقيمة كالشفيع والعمير وقال القاضي‏:‏ لا يملكه لأن بيع البناء معاوضة فلا تجبر عليها كما لو بذل نصف قيمة الثمرة ليملك نصف الشجرة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحال الرابع في جواز رجوع الزوج على زوجته بالمهر‏]‏

الحال الرابع‏:‏ وجده زائدا من وجه ناقصا من وجه كعبد تعلم صناعة ومرض أو خشب شقته دفوفا أو حلي كسرته ثم صاغته على غير ما كان أو جارية حملت فإن الحمل نقص في الآدمية من وجه وزيادة من وجه بخلاف حمل البهيمة فإنه زيادة محضة فهو كسمنها فإذا تراضيا على أخذ نصفه جاز لأن الحق لهما وأيهما امتنع من ذلك لم يجبر عليه لأن عليه ضررا‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ الحال الخامس في جواز رجوع الزوج على زوجته بالمهر‏]‏

الحال الخامس‏:‏ أن يتعلق به حق غيرهما وهو ثلاثة أنواع‏:‏

أحدها‏:‏ ما يزيل ملكها كبيع العين وهبتها المقبوضة وعتقها ووقفها فحكم ذلك حكم تلفها فإن عادت العين إلى ملكها ثم طلقها فله الرجوع في نصفها لعدم المانع منه وفي معنى ذلك العقد اللازم المراد لإزالة الملك كالرهن والكتابة‏.‏

النوع الثاني‏:‏ ما ليس بلازم كالهبة قبل القبض والوصية قبل الموت والتدبير فله الرجوع في نصفها لأنه حق غير لازم فأشبه الشركة‏.‏

النوع الثالث‏:‏ ما لا يزيل الملك كالنكاح والإجارة فيخير بين الرجوع في نصفها مع بقاء النكاح والإجارة وبين الرجوع بنصف القيمة لأنه نقص رضي به فأشبه نقصها بهزالها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان الصداق عينا فوهبتها لزوجها ثم طلقها قبل الدخول‏]‏

فإن كان الصداق عينا فوهبتها لزوجها ثم طلقها قبل الدخول ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يرجع عليها بنصفه لأنه دعا إليه بعقد مستأنف فلم يمنع استحقاق نصفه بالطلاق كما لو وهبته أجنبيا ثم وهبه الأجنبي للزوج‏.‏

والثانية‏:‏ لا يرجع عليها بشيء لأن نصف الصداق تعجل له بالهبة وإن كان دينا فأبرأته منه ثم طلقها وقلنا‏:‏ لا يرجع ثم فهاهنا أولى وإن قلنا‏:‏ يرجع ثم خرج هاهنا وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يرجع لأنه عاد إليه بغير الطلاق فأشبه العين‏.‏

والثاني‏:‏ لا يرجع لأن الإبراء إسقاط وليس بتمليك وإن أصدقها عينا فوهبتها له أو دينا فأبرأته منه ثم ارتدت قبل الدخول ففي رجوعه به عليها وجهان بناء على الرجوع في النصف بالطلاق وإن باع رجلا عبدا أو أبرأه من ثمنه فوجد به المشتري عيبا فرده وطالبه بثمنه أو أمسكه وأراد أرشه فهل له ذلك‏؟‏ على وجهين بناء على الروايتين في الصداق وإن أصدقها عبدا فوهبته نصفه ثم طلقها قبل الدخول انبنى على الروايتين فإن قلنا‏:‏ إذا وهبته الكل لا يرجع بشيء رجع هاهنا في نصف الباقي من العبد وإن قلنا‏:‏ يرجع ثم رجع في النصف الباقي جميعه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من الذي بيده النكاح‏؟‏‏]‏

والزوج هو الذي بيده عقد النكاح فإذا طلق قبل الدخول فأي الزوجين عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو حائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه وكمل في الصداق جميعه وعنه‏:‏ ما يدل على الذي بيده عقدة النكاح هو الأب فيصح عفوه عن نصف مهر ابنته البكر التي لم تبلغ إذا طلقت قبل الدخول لأن الذي بيده عقدة النكاح بعد الطلاق هو الولي ولأن الله خاطب الأزواج بخطاب المواجهة ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح‏}‏ وهذا خطاب غائب فاعتبرنا هذه الشروط لأن الأب يلي مالها في صغرها دون غيره ولا يليه في كبرها ولا يملك تزويجها إلا إذا كانت بكرا ولم تكن ذات زوج والمذهب الأول قال أبو حفص‏:‏ ما أرى القول الآخر إلا قولا قديما ولا يجوز عفو الأب ولا غيره من الأولياء لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏ولي العقدة الزوج‏]‏ رواه الدارقطني ولأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وأن تعفوا أقرب للتقوى‏}‏ وليس عفو الولي عن صداق ابنته أقرب للتقوى ولا يمنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها‏}‏ ولأن صداق المرأة حق لها فلا يملك الولي العفو عنه كسائر ديونها لأن الصغير لو رجع إليه صداق زوجته أو نصفه لانفساخ النكاح برضاع أو نحوه لم يكن لوليه العفو عنه رواية واحدة فكذلك ولي الصغيرة‏.‏

باب‏:‏ الحكم في المفوضة

وهو أن يزوج الرجل ابنته بغير صداق برضاها أو رضى أبيها سواء سكتا عن ذكره أو شرطا نفيه فالعقد صحيح لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة‏}‏ وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل‏:‏ ‏[‏أترضى أن أزوجك فلانة‏؟‏‏]‏ قال‏:‏ نعم وقال للمرأة‏:‏ ‏[‏أترضين أن أزوجك فلانا‏]‏ قالت‏:‏ نعم فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا فلما حضرته الوفاة قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقا ولم أعطها شيئا فإني أشهدكم أني قد أعطيتها سهمي بخيبر فأخذت سهما فباعته بمائة ألف رواه أبو داود‏.‏

ويجب لها مهر نسائها بالعقد لأنه لو لم يجب لما استقر بالدخول ولا ملكت المطالبة بفرضه قبله ولأن إخلاء النكاح عن المهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولها المطالبة بفرضه قبل الدخول وبعده ويلزمه إجابتها إليه فإن ترافعا إلى الحاكم لم يفرض لها إلا مهر المثل لأنه الواجب لها وإن تراضى الزوجان على فرضه جاز فإن فرض لها مهر مثلها فليس لها غيره لأنه الواجب لها وإن فرض لها الحاكم أكثر منه جاز لأن له أن يزيدها في صداقها وإن فرض لها أقل منه فرضيته جاز لأن الحق لها فملكت تنقيصه وما فرض لها من ذلك صار كالمسمى في التنصيف بالطلاق قبل الدخول وقراره بالدخول وغيره لأنه مهر مفروض فأشبه المفروض بالعقد وإن دخل بها قبل الفرض استقر مهر المثل لأن الوطء في نكاح خال عن مهر خالص لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن مات أحدهما قبل الإصابة والفرض وجب لها مهر نسائها في صحيح المذهب لما روى علقمة أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود‏:‏ لها صداق نسائها ولا وكس ولا شطط ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال‏:‏ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع ابنة واشق امرأة منا مثل ما قضيت أخرجه أبو داود والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن صحيح وعن أحمد‏:‏ لا يكمل لها الصداق لأنها فرقة قبل فرض ومسيس فأشبهت الطلاق فعلى هذا يجب لها نصف مهر المثل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مهر المثل‏]‏

ومهر نسائها‏:‏ هو مهر نساء عصباتها المساويات لها ويعتبر الأقرب فالأقرب منهن فأقربهن الأخوات ثم بنات الإخوة ثم العمات ثم بنات الأعمام ثم من بعدهن الأقرب فالأقرب ولا يعتبر ذوات الأرحام كالأم والخالة والأخت من الأم في إحدى الروايتين لأن المهر يختلف بالنسب ونسبها مخالف لنسبهن والأخرى يعتبر لأنهن من نسائها فيدخلن في الخبر فإن لم يكن لها نساء عصبات اعتبر هؤلاء على الروايتين ويعتبر بمن يساويها في صفاتها من سنها وبلدها وعقلها وعفتها وجمالها ويسارها وبكارتها وثيوبتها لأنه عوض متلف فاعتبرت فيها الصفات فإن لم يكن مهر نسائها يختلف بهذه الأمور لم تعتبرها وإن كان يختلف فلم نجد إلا دونها زيد لها بقدر فضيلتها وإن لم يوجد إلا أعلى منها نقصت بقدر نقيصتها وجب حالا من نقد البلد كقيم المتلفات فإن كان عادة نسائها التأجيل ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يفرض مؤجلا لأنه مهر نسائها‏.‏

والثاني‏:‏ يفرض حالا لأنه قيمة متلف وإن كان عادتهم أنهم إذا زوجوا عشيرتهم خففوا وإذا زوجوا غيرهم أثقلوا أو عكس ذلك اعتبر لأنه مهر المثل فإن لم يوجد من أقاربهم أحد اعتبر شبهها من أهل بلدها فإن عدم ذلك اعتبر أقرب الناس إليها من نساء أقرب البلدان إليها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏طلاق المفوضة قبل الدخول والفرض‏]‏

وإن طلق المفوضة قبل الدخول والفرض فليس له إلا المتعة نص عليه أحمد في رواية جماعة وعنه‏:‏ لها نصف مهر المثل لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فيوجب نصفه بالطلاق قبله كالتي سمي لها والأول المذهب لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن‏}‏ ولا متعة لغيرها في ظاهر المذهب لأنه لما خص بالآية من لم يفرض لها ولم يمسها دل على أنها لم تجب لمدخول بها ولا مفروض لها ولأنه حصل في مقابله ابتذال المهر أو نصفه بخلاف مسألتنا وعنه‏:‏ لكل مطلقة متاع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين‏}‏ وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا‏}‏ قال أبو بكر‏:‏ العمل عندي على هذه الرواية لولا تواتر الروايات بخلافها فإنه لم يرو هذه إلا حنبل وخالفه سائر من روى عن أبي عبد الله فيتعين حمل هذه الرواية على الاستحباب جمعا بين دلالة الآيات المختلفات ولما ذكرنا من المعنى فأما المتوفى عنها فلا متعة لها بغير خلاف لأن الآية لم تتناولها ولا هي معنى المنصوص عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كيف تقدر نفقة المتعة‏؟‏‏]‏

والمتعة معتبرة بحال الزوج ‏{‏على الموسع قدره وعلى المقتر قدره‏}‏ وحكى القاضي عن أحمد‏:‏ أنها مقدرة بنصف مهر المثل لأنها بدل عنه فتقدرت به والمذهب الأول لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره‏}‏ فقدرها بحال الزوج دون حال المرأة ولأنه لو وجب قدر نصف مهر المثل كان ذلك نصف مهر المثل وفي قدرها روايتين‏:‏

إحداهما‏:‏ يرجع فيها إلى اجتهاد الحاكم فيفرض لها ما يؤديه اجتهاده إليه لأنه أمر لم يرد الشرع بتقديره ويحتاج إلى الاجتهاد فرد إلى الحاكم كالنفقة‏.‏

والثانية‏:‏ أعلى المتعة خادم وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها وأوسطها ما بين ذلك لقول ابن العباس‏:‏ أعلى المتعة خادم ثم دون ذلك النفقة ثم دون ذلك الكسوة وهذا تفسير من الصحابي فيجب الرجوع إليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى تسقط نفقة المتعة‏؟‏‏]‏

وكل فرقة أسقطت المسمى أسقطت المتعة وما نصفت المسمى أوجبت المتعة لأنها قائمة مقام نصف المسمى فاعتبر ذلك فيها وسئل أحمد‏:‏ عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها مهرا ثم وهب لها غلاما ثم طلقها قال‏:‏ لها المتعة وذلك لأن الهبة لا تنقضي بها المتعة كالمسمى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم مفوضة المهر‏]‏

فأما المفوضة المهر وهي التي تزوجها على حكمها أو حكمه أو حكم أجنبي أو بمهر فاسد أو يزوجها غير الأب بغير صداق بغير إذنها فإنه يتنصف لها مهر المثل بالطلاق في ظاهر المذهب وهو اختيار الخرقي وعن أحمد‏:‏ ليس لها إلا المتعة لأنه نكاح خلا عن تسمية صحيحة فأشبه نكاح المفوضة البضع ولنا‏:‏ أنها لم ترض بغير صداق ولم يرض أبوها فلم تجب المتعة كالتي سمي لها بخلاف الراضية بغير صداق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تزويج الرجل موليته بغير صداق مثلها‏]‏

وللأب تزويج ابنته بغير صداق مثلها صغيرة كانت أو كبيرة بكرا أو ثيبا لأن عمر خطب الناس فقال‏:‏ ألا لا تغالوا في صدق النساء فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه أو بناته أكثر من اثني عشرة أوقية وظاهره صحة تسمية من زوج بمثل ذلك وإن نقص عن مهر المثل وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين وهو سيد قرشي ولأنه غير متهم في حقها فلا يمنع من تحصيل المقصود والحظ لابنته بتفويت غير المقصود وليس لغيره نقصها عن مهر نسائها إلا بإذنها لأنه متهم فإن زوج بغير صداق لم يكن تفويضا صحيحا لأنه أسقط ما ليس له التصرف فيه ويجب مهر المثل وإن فعله الأب كان تفويضا صحيحا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل للأب أن يشترط لنفسه شيئا من صداق ابنته‏؟‏‏]‏

وللأب أن يشترط لنفسه شيئا من صداق ابنته لأن الله تعالى أخبر أن شعيبا زوج ابنته لموسى برعاية غنمه وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أنت ومالك لأبيك‏]‏ وقال‏:‏ ‏[‏إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن فإن زوجها على ألف لها وألف له ثم طلقت قبل الدخول رجع الزوج بالألف التي لها لأن ما أخذه الأب محسوب على البنت من صداقها فكأنها قبضته ثم وهبته لأبيها فإن شرط غير الأب شيئا لنفسه فالكل لها ولا شيء له لأنه عوض عنها فكان لها كالمسمى لها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن زوج الرجل ابنه الصغير‏]‏

وإن زوج الرجل ابنه الصغير فالمهر على الزوج لأنه المعوض له فكان العوض عليه كالكبير وكما لو اشترى له شيئا فإن كان الابن معسرا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو عليه كذلك‏.‏

والثاني‏:‏ على الأب لأنه لما زوجه مع علمه بإعساره ووجوب الصداق عليه كان رضى منه بالتزامه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تزوُّج العبد بإذن مولاه‏]‏

وإن تزوج العبد بإذن مولاه فالمهر على المولى لأنه وجب بإذنه فكان عليه كالذي يجب بعقد الوكيل وإن تزوج بغير إذن سيده فالنكاح باطل فإن فارقها قبل الدخول فلا شيء عليه وإن دخل بها ففي رقبته صداقها لأنه وجب بجنايته فكان في رقبته كسائر جناياته وفي قدره روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ مهر مثلها لأنه وطء يوجب المهر فأوجب جميعه كوطء المكرهة‏.‏

والثانية‏:‏ يجب عليه خمسا المهر لما روى خلاس أن غلاما لأبي موسى تزوج بمولاة تيحان التميمي بغير إذن أبي موسى فكتب في ذلك إلى عثمان رضي الله عنه فكتب إليه‏:‏ أن فرق بينهما وخذ لها الخمسين من صداقها وكان صداقها خمسة أبعرة رواه أحمد ولأن المهر أحد موجبي الوطء فجاز أن ينقص في العبد عن الحر كالحد وقد روى حنبل عن أحمد أنه لا صداق عليه ويحتمل هذا أن يحمل على ما إذا فرق بينهما قبل الدخول ويحتمل أنه لا يجب شيء في الحالين ولأن المرأة مطاوعة له في غير نكاح صحيح أشبه الزانية وهذا مذهب ابن عمر والمذهب الأول والسيد مخير بين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو الواجب من المهر كأرش جناياته وإذا زوج السيد عبده أمته وجب الصداق عليه ثم سقط لأن النكاح لا يخلو من مهر ولا يثبت للسيد على عبده مال فسقط وقال القاضي‏:‏ لا يثبت مهر أصلا لأنه لا يمكن أن يجب للسيد على عبده مال وإن تزوج العبد بحرة أو أمة بغير إذن سيده ثم باعها العبد أو باعه لسيد الأمة بثمن في الذمة صح ويحول صداقها إلى ثمنه أو نصفه إن كان قبل الدخول وإن باعها إياه بصداقها صح لأنه يجوز أن يبيعها به عبد آخر فكذلك هذا وينفسخ النكاح إذا ملكت زوجها فإن كان قبل الدخول رجع السيد عليها بما يسقط من صداقها‏.‏

باب‏:‏ اختلاف المزوجين في الصداق

إذا اختلفا في قدره ولا بينة على مبلغه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ القول قول من يدعي مهر المثل منهما فإن ادعت مهر المثل أو أقل فالقول قولها وإن ادعى مهر مثلها أو أكثر فالقول قوله لأن الظاهر أن صداقها مهر مثلها ولأنه موجب العقد بدليل ما لو خلا عن الصداق فكان القول قول مدعيه كالمنكر في سائر الدعاوى فإن ادعى أقل من مهر المثل وادعت أكثر من مهر المثل ردا إلى مهر المثل وينبغي أن يحلف الزوج على نفي الزائد عن مهر المثل وتحلف هي على إثبات ما نقص منه لأن دعوى كل واحد منهما محتملة فلا تدفع بغير يمين والرواية الثانية‏:‏ القول قول الزوج بكل حال لأنه منكر فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ولكن اليمين على المدعى عليه‏]‏ فإن مات الزوجان فورثتهما بمنزلتهما إلا أن من يحلف منهما على الإثبات يحلف على البت ومن يحلف على النفي يحلف على نفي العلم لأنه يحلف على نفي فعل الغير وإن اختلف الزوج وأبو الصغيرة أو المجنونة قام الأب مقامهما في اليمين لأنه يحلف على فعل نفسه فأشبه الوكيل فإن لم يحلف حتى بلغت الصبية وعقلت المجنونة فاليمين عليها دونه لأنه إنما حلف لتعذر اليمين من جهتهما فإذا أمكن الحلف منهما لزمهما كالوصي إذا بلغ الطفل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أنكر الزوج تسمية الصداق‏]‏

وإن أنكر الزوج تسمية الصداق وادعت تسمية مهر المثل وكان الخلاف بعد الطلاق قبل الدخول ففيه وجهان بناء على الروايتين فإن قلنا‏:‏ القول قول الزوج وجبت المتعة وإن قلنا بالرواية الأخرى فلها نصف مهر المثل وإن اختلفا قبل الطلاق بعد الدخول فقد استقر لها مهر مثلها وإن كان قبله فلها المطالبة بفرض مهر المثل ولا يشرع التحالف وإن ادعت أكثر من مهر المثل حلف على نفي الزيادة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ أصدقتك هذا العبد فقالت‏:‏ بل هذه الأمة‏]‏

فإن قال‏:‏ أصدقتك هذا العبد قالت‏:‏ بل هذه الأمة لم تملك العبد لأنها لا تدعيه ولا الأمة لأنها لا تجب بمجرد الدعوى لكن إن قلنا‏:‏ القول قول الزوج فلها قيمة العبد وإن قلنا‏:‏ القول قول من يدعي مهر المثل وكانت الأمة مهر المثل أو أقل حلفت ولها قيمتها وإن كانت أكثر والعبد مهر المثل أو أكثر حلف الزوج ولها قيمته وإن كانت الأمة أكثر والعبد أقل رد إلى مهر المثل على ما ذكرنا فيما تقدم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاختلاف في قبض الصداق أو إبرائه منه‏]‏

وإن اختلفا في قبض الصداق أو إبرائه منه فالقول قولها لأن الأصل معها وإن اختلفا فيما يستقر به الصداق بالاستمتاع أو الخلوة فالقول قوله لأن الأصل معه وإن اتفقا على أنه دفع إليها مالا فقال‏:‏ دفعته صداقا قالت‏:‏ بل هبة فإن كان الخلاف في نيته فالقول قوله بلا يمين لأنه أعلم بما نواه وإن اختلفا في لفظه فالقول قوله مع يمينه لأنه ملكه فالقول قوله في صفة نقله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نقص الصداق‏]‏

وإن نقص الصداق في يدها بعد الطلاق فقالت‏:‏ حدث بعد الطلاق فلا ضمان علي وقال‏:‏ بل قبله فالقول قولها لأن الأصل براءة ذمتها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مهر الموطوءة في نكاح فاسد‏]‏

ويجب المهر للموطوءة في نكاح فاسد لقول النبي صلى الله عليه وسلم في التي أنكحت نفسها بغير إذن وليها‏:‏ ‏[‏فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها‏]‏ ويجب للموطوءة بشبهة لهذا المعنى ويجب للمكرهة على الزنا لأنه وطء سقط الحد عنها فيه شبهة والواطئ من أهل الضمان في حقها فأوجب المهر كالوطء بالشبهة ولا يجب مع المهر أرش البكارة في هذه المواضع لأنه داخل في المهر وعنه‏:‏ للمكرهة الأرش مع المهر لأنه إتلاف جزء فوجب عوضه كما لو جرحها ثم وطئها وعن أحمد‏:‏ لا يجب المهر للمكرهة الثيب قياسا على المطاوعة وعنه‏:‏ لا يجب لمحارمه من النسب لأن تحريمهن تحريم أصل فلا يوجب وطؤهن مهرا كاللواط وعنه‏:‏ من تحرم ابنتها لا مهر لها كذلك ومن تحل بنتها كالعمة والخالة يجب لها لأن تحريمها أخف ولنا‏:‏ أنه أتلف منفعة بضعها بالوطء مكرهة فأشبهت الأجنبية والبكر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مهر المطاوعة على الزنا‏]‏

ولا يجب المهر للمطاوعة على الزنا لأنها باذلة لما يوجب البدل لها فلم يجب لها شيء- كما لو أذنت في قطع يدها- فإن كانت أمة وجب المهر لسيدها لأنه المستحق له فلا يسقط ببذلها كيدها ولا يجب المهر بالوطء في الدبر ولا اللواط لأنه لا منفعة فيه متقومة في الشرع بخلاف الفرج‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من بطل نكاحها‏]‏

ومن نكاحها باطل بالإجماع كذات الزوج والمعتدة حكمها حكم الأجنبية في وجوب الصداق إن كان الوطء بشبهة أو إكراه وسقوطه إن كانت مطاوعة عالمة بالتحريم لأنه باطل بالإجماع فكان وجوده كعدمه‏.‏

باب‏:‏ الوليمة

وهي‏:‏ الإطعام في العرس وهي مستحبة لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج‏:‏ ‏[‏أولم ولو بشاة‏]‏ متفق عليه وليست واجبة لأنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة ويستحب أن يولم بشاة للخبر وإن أولم بغيرها أصاب السنة لما روى أنس قال‏:‏ ما أولم الرسول صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إجابة دعوة الوليمة‏]‏

وإجابة الداعي إليها واجبة لما روى ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها‏]‏ وقال أبو هريرة‏:‏ ‏(‏ومن لم يحب فقد عصا الله ورسوله‏)‏ رواهما البخاري وإن كان الداعي ذميا لم تجب إجابته لأن الإجابة للمسلم للإكرام والموالاة ولا يجب ذلك للذمي وتجوز إجابته لما روى أنس أن يهوديا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه رواه أحمد في ‏(‏الزهد‏)‏ وإنما تجب إجابة المسلم إذا نص عليه فإن دعا الجفلى كقوله‏:‏ أيها الناس أجيبوا وهلم إلى الطعام لم تجب الإجابة لأن كل واحد غير منصوص عليه فلا ينكسر قلب الداعي بتخلفه وإن دعا ثلاثة أيام وجبت الإجابة في اليوم الأول واستحب في الثاني ولم تستحب في الثالث لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏الوليمة أول يوم حق والثاني معروف الثالث رياء وسمعة‏]‏ رواه أبو داود فإن دعا اثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لأن إجابته وجبت بدعوته فمنعت من وجوب إجابة الثاني‏:‏ فإن استويا أجاب أقربهما بابا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق‏]‏ رواه أبو داود فإن استويا أجاب أقربهما رحما فإن استويا أجاب أدينهما لأن هذا من أبوب البر فقدم بهذه المعاني فإن استويا أقرع بينهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏دعوة الصائم إليها‏]‏

وإذا دعي الصائم لم تسقط الإجابة فإذا حضر وكان الصوم واجبا لم يفطر وإن كان تطوعا استحب له الفطر ليسر أخاه ويجبر قلبه ولا يجب لما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم‏]‏ رواه مسلم وأبو داود ويستحب إعلامهم بصيامه لأنه يروى عن عثمان وابن عمر رضي الله عنهما ولأن التهمة تزول ويتمهد عذره وإن كان مفطرا فالأفضل الأكل للخبر ولأن فيه جبر قلب الداعي ولا يجب لما روى جابر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا دعي أحدكم إلى الطعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك‏]‏ حديث صحيح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الأكل في الوليمة‏]‏

والدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل والدخول لما روى جابر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فذلك إذن له‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا دعي إلى وليمة فيها منكر‏]‏

وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر كالخمر والزمر فأمكنه الإنكار حضر وأنكر لأنه يجمع بين واجبين وإن لم يمكنه لم يحضر لأنه يرى المنكر ويسمعه اختيارا وإن حضر فرأى المنكر أو سمعه أزاله فإن لم تمكنه إزالته انصرف لما روى سفينة‏:‏ أن رجلا أضافه على فصنع له طعاما فقالت فاطمة‏:‏ لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما من ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة‏:‏ الحقه فقل‏:‏ ما رجعك يا رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ ‏[‏إنه ليس لي أن أدخل بيتا مزوقا‏]‏ حديث حسن ولأنه يشاهد المنكر ويسمعه من غير حاجة فمنع منه كالقادر على إزالته وإن علم المنكر ولم يره ولم يسمعه لم ينصرف لأنه لم يره ولم يسمعه ولا ينصرف لسماع الدف لأنه مشروع ولا لرؤية نقوش وصور غير الحيوان كالشجر والأبنية لأنه نقش مباح فهو كعلم الثوب وأما صور الحيوان فإن كانت توطأ أو يتوكأ عليها كالبسط والوسائد فلا بأس بها وإن كانت على حيطان أو ستور انصرف لما روت عائشة قالت‏:‏ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت لي سهوة بنمط فيه تصاوير فلما رآه قال‏:‏ ‏[‏أتسترين الجدر بستر فيه تصاوير‏]‏ فهتكه قالت‏:‏ فجعلت منه وسادتين وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك علي فإن قطع رأس الصورة أو ما لا بقي الحيوان بعده كصدر وظهر ذهبت الكراهة لأنه لا تبقى الحياة فيه فأشبه الشجر وإن أزيل منه ما تبقى الحياة بعده كيد أو رجل فالكراهة بحالها لأنها صورة حيوان وإن سترت الحيطان بستور غير مصورة لحاجة من حر أو برد جاز ولم يكره لأنه يستعمله لحاجة فأشبه لبس الثياب وإن كان لغيره حاجة ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ هو محرم لما روي عن علي بن الحسين قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستر الجدر رواه الخلال والنهي يقتضي التحريم ودعا ابن عمر أبا أيوب فجاء فرأى البيت مستورا بنجاد أخضر فقال‏:‏ يا عبد الله‏!‏ أتسترون الجدر‏؟‏ لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا ثم خرج‏.‏

والثاني‏:‏ هو مكروه لأن ابن عمر أقر عليه ولم ينكر ولأن كراهته لما فيه من السرف فلا يبلغ به التحريم كالزيادة في الملبوس ويجوز الرجوع لذلك لفعل أبي أيوب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم قبول سائر الدعوات غير الوليمة‏]‏

فأما سائر الدعوات غير الوليمة كدعوة الختان وتسمى‏:‏ الأعذار والعذيرة والخرس والخرسة عند الولادة والوكيرة‏:‏ دعوة البناء والنقيعة‏:‏ لقدوم الغائب والحذاق‏:‏ عند حذق الصبي والمأدبة‏:‏ اسم لكل دعوة لسبب كان أو لغير سبب ففعلها مستحب لما فيه من إطعام الطعام وإظهار النعمة ولا تجب الإجابة إليها لما روي عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فأبى أن يجيب وقال‏:‏ إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدعى إليه رواه الإمام أحمد وتستحب الإجابة لقوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏إذا دعي أحدكم فليجب عرسا كان أو غير عرس‏]‏ رواه أبو داود ولأن فيه جبر قلب الداعي وتطييبه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم النثار‏]‏

والنثار والتقاطه مباح ولأنه نوع إباحة فأشبه تسبيل الماء والثمرة وفي كراهته روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يكره وهي التي ذكرها الخرقي لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النهبة وقال‏:‏ ‏[‏لا تحل النهبى‏]‏ رواه أحمد في المسند ولأن في التقاطه دناءة وقتلا وقد يأخذ من غيره أحب إلى صاحب النثار منه‏.‏

والثانية‏:‏ لا يكره اختارها أبو بكر لما روى عبد الله بن قرط قال‏:‏ قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس بدنات أو ست بدنات فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ ‏[‏من شاء اقتطع‏]‏ رواه أبو داود ولا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا لأن السلف كانوا يتناهدون في الغزو والحج وغيرهما ومن وقع في حجره شيء من النثار فهو مباح لأنه مباح حصل في حجره فملكه كما لو وثبت سمكة فسقطت في حجره‏.‏

باب‏:‏ عشرة النساء

يجب على كل واحد من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏عاشروهن بالمعروف‏}‏ وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة‏}‏ ويجب على كل واحد منهما بذل ما يجب لصاحبه من الحق عليه من غير مطل ولا إظهار الكراهية للبذل ولا إتباعه بأذى ولا من وكف أذاه عن صاحبه ولأن هذا من المعاشرة بالمعروف ولقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏مطل الغني ظلم‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا تزوج امرأة يوطأ مثلها فطلب تسليمها‏]‏

وإذا تزوج امرأة يوطأ مثلها فطلب تسليمها إليه وجب ذلك لأنه يطلب حقه الممكن فإن سألت الإنظار أنظرت مدة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها كاليومين والثلاثة لأنه يسير جرت العادة بمثله وإن كانت لا يجامع مثلها لصغر أو مرض يرجى زواله لم يجب تسليمها لأنها لا تصلح للاستمتاع المستحق عليها وإن كان لمرض غير مرجو الزوال أو لكونها نضوة الخلق وجب تسليمها لأن المقصود من مثلها الاستمتاع بغير الجماع وذلك ممكن في الحال وكل موضع يجب تسليمها إليه إذا طلبها يلزمه تسليمها إذا عرضت عليه وما لا فلا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تسليم الحرة ليلا أو نهارا‏]‏

ويجب تسليم الحرة ليلا ونهارا لأنه لا حق لغيره عليها وللزوج السفر بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بنسائه ويجب تسليم الأمة في الليل دون النهار لأنها مملوكة عقد أحد منفعتيها فلم يجب التسليم في وغير وقتها كالمستأجرة للخدمة في أحد الزمانين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم إجبارها على غسل الحيض والنفاس ونحو ذلك‏]‏

وله إجبارها على غسل الحيض والنفاس مسلمة كانت أو ذمية لأن إباحة الوطء يقف عليه وله إجبار المسلمة على الغسل من الجنابة لأنه واجب عليها وفي الذمية روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يملك إجبارها عليه لأنه لا يجب عليها ولا يقف إباحة الوطء عليه‏.‏

والثانية‏:‏ يملك إجبارها لأن كمال الاستمتاع يقف عليه لكون النفس تعاف من لا تغتسل من جنابة وفي التنظف والاستحداد وجهان بناء على هاتين الروايتين وقال القاضي‏:‏ له إجبارها على الاستحداد إذا طال الشعر واسترسل وتقليم الأظافر إذا طالت رواية واحدة وهل له منعها أكل ما يتأذى برائحته‏؟‏ على وجهين لما ذكرنا وله منع المسلمة من كل محرم لأن الله منعها منه وليس له منع الذمية من يسير الخمر لأنها لا تعتقد تحريمه وله إجبارها على غسل فيها منه لأن نجاسته تمنع الاستمتاع به وله منعها من السكر لأنه يجعلها كالزق المنفوخ ولا يأمن من جنايتها عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم منع الرجل زوجته من الخروج من منزله‏]‏

وله منعها من الخروج من منزله إلا لما لا بد لها منه لأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب وقد روي عن ابن عمر قال‏:‏ أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏حقه عليها ألا تخرج إلا بإذنه‏]‏ ويكره منعه إياها من عيادة أحد والديها أو شهود جنازته لأنه يؤدي إلى النفور ويغريها بالعقوق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاستمتاع بها‏]‏

وله الاستمتاع في كل وقت من غير إضرار بها ولا منعها من فريضة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع‏]‏ متفق عليه‏.‏

ولا يجوز وطؤها في الحيض ولا في الدبر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن‏}‏ وروى خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن‏]‏ وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد‏]‏ رواهما الأثرم‏.‏

ويجوز الاستمتاع بها فيما بين الأليتين ووطؤها في الفرج مقبلة ومدبرة وكيف شاء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم‏}‏ قال جابر‏:‏ من بين يديها ومن خلفها غير ألا يأتيها إلا في المأتي متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الدعاء عند الوقاع‏]‏

وإذا أراد الجماع استحب أن يقول‏:‏ بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا لما روى ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال‏:‏ بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فولد بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا‏]‏ متفق عليه ويستحب التستر عند المجامعة لما روى عتبة بن عبيد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين‏]‏ رواه ابن ماجة ولا يجامعها بحيث يراها إنسان أو يسمع وجسهما وإذا فرغ قبلها كره له النزع حتى تفرغ لما روى أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا جامع الرجل أهله فليصدقها ثم إن قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏العزل‏]‏

ويكره العزل وهو‏:‏ أن ينزل الماء خارج الفرج لما فيه من تقليل النسل ومنع المرأة من كمال استمتاعها وليس بمحرم لما روى أبو سعيد قال‏:‏ ذكر- يعني العزل- عند رسل الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏فلم يفعل أحدكم‏؟‏‏]‏- ولم يقل فلا يفعل- ‏[‏فإنه ليس نفس مخلوقة إلا والله خالقها‏]‏ متفق عليه فإن كان ذلك في أمته فله ذلك بغير إذنها لأن الاستمتاع بها حق له دونها وكذلك أم الولد وإن كان في زوجة حرة لم يجز إلا بإذنها لما روى ابن عمر قال‏:‏ ‏[‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها‏]‏ رواه أحمد وإن كانت أمة فقال أصحابنا‏:‏ لا يعزل عنها إلا بإذن سيدها لأن الولد له والأولى جوازه لأن تخصيص الحرة بالاستئذان دليل سقوطه في غيرها ولأن السيد لا حق له في الوطء فلا يجب استئذانه في كيفيته ولأن على الزوج ضررا في رق ولده بخلاف الحرة ويحتمل أن يكون الاستئذان للحرة والأمة مستحبا غبر واجب لأن حقهما في الوطء لا في الإنزال بدليل خروجه بذلك من الفيئة والعنة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم جمع أكثر من زوجة في مسكن واحد‏]‏

وإذا كان له زوجتان لم يجمع بينهما في مسكن واحد إلا برضاهما لأن عليهما فيه ضررا ويؤدي إلى الخصومة ولا يطأ إحداهما بحضرة الأخرى لأن فيه دناءة وسوء عشرة وإثارة للغيرة‏.‏